النعم والحياة

Image result for goodness life

النعم والحياة

قال أبو حامد الغزالي حجة الإسلام: "إذا رأيت الله يحبس عنك الدنيا ويكثر عليك الشدائد والبلوى … فاعلم أنك عزيز عنده، وأنك عنده بمكان، وأنه يسلك بك طريق أوليائه وأصفيائه، وأنه يراك، أما تسمع قوله تعالى: واصبر لحكم ربك فإنك بأعيننا".


ووفق قول الغزالي هذا فإنه كلما زادت مصائب الإنسان كلما كان أكثر صلاحاً من غيره، فيصور الله كإله سادي يتلذذ بعذاب عباده، ويراهم وهم يتألمون غير آبه بآلامهم، وهو بهذه الصورة يحمله مسؤولية كل ما يحصل لنا من خير أو شر، وتصبح الحياة الدنيا تمثيلية هزلية نحن فيها مجرد لعب لا أكثر ولا أقل، ويصبح سيناريو القيامة و البعث لا معنى له، وأقول حاشا لله عما يصفون.


فالله تعالى لم يكتب منذ الأزل على فلان أن يكون غنياً وفلان فقيراً بائساً، ولم يكتب على الأمهات في القرون التي سبقت اختراع لقاحات الأطفال أن يفقدوا أولادهم لأنهم أكثر صلاحاً من أمهات الثلاثة قرون الأخيرة والقادمة، ولم يكتب على شعب بعينه أن يعيش في ظل حاكم مستبد ليمتحنه، ولا يسره رؤية آلاف الجوعى والغرقى والمشردين، فقط ليعوضهم في الآخرة، بل هي إرادة الإنسان وعمله ضمن قوانين رب العالمين، والخير والشر موجودان في متناول هذه الإرادة بمقدار معرفة الإنسان تسخيرها بواسطة ضميره.


والله تعالى وضع القوانين الناظمة للوجود وقوانين التاريخ وترك لنا السعي لمعرفتها، وهي ليست مناط التصريف الإنساني كقوله {أَوَلَمْ يَرَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ كَانَتَا رَتْقاً فَفَتَقْنَاهُمَا وَجَعَلْنَا مِنَ الْمَاء كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ أَفَلَا يُؤْمِنُونَ} (الأنبياء 30)، لكن كلما زادت معرفة الإنسان بالموجودات زاد قضاؤه فيها، وقوله مثلاً {كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ وَنَبْلُوكُم بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً وَإِلَيْنَا تُرْجَعُونَ} (الأنبياء 35) يعني أنه لا يمكن للعلم أن يلغي ظاهرة الموت، لكن يمكن للطب وقوانين السلامة إطالة الأعمار {وَمَا كَانَ لِنَفْسٍ أَنْ تَمُوتَ إِلاَّ بِإِذْنِ الله كِتَاباً مُّؤَجَّلاً}(آل عمران 145)، فالموت كتاب مؤجل حتى تجتمع العناصر المسببة له، وبالتالي يجب أن يتحمل الأطباء نتيجة أخطائهم، ويتحمل الحاكم الظالم مسؤولية موت أبناء الشعب.


ولو كتب الله علينا منذ الأزل أن نعاني أمراً ما، فكيف نفهم الدعاء إذاً؟ ولما قال تعالى {وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُواْ لِي وَلْيُؤْمِنُواْ بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ} (البقرة 186).أما قوله تعالى لرسوله وهو يكابد ما يكابده من قريش {وَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ فَإِنَّكَ بِأَعْيُنِنَا} (الطور 48) فهو مواساة له لما يتحمله جراء الدعوة إلى الله، ولا يعني أنه سبحانه قصد تعرضه للأهوال والشدائد.وللأسف فإن قول الغزالي وغيره ساهم في زيادة عدد الملحدين في الأمة المحمدية، فهم احترموا عقولهم ورفضوا هذا الإله الذي قدمته الثقافة الموروثة، وإلحادهم اجتماعي أو سياسي ليس إلا.
مقال منقول يستحق التمعن
د محمد شحرور

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

اترك بصمة .. اترك اثرآ

إعرف نسختك

البصيرة فى سطور